إسرائيل وإيران- تصعيد خطير نحو مواجهة مباشرة شاملة
المؤلف: رامي الخليفة العلي09.05.2025

لقد ولج الصراع المتأجج بين إسرائيل وإيران منعطفاً خطيراً، تجاوزه الحسابات التقليدية العاجزة عن احتواء التوترات المتصاعدة أو تأخير المواجهة الحتمية. فما جرى يوم الجمعة لم يكن مجرد حادثاً عابراً، بل كان بمثابة نقطة تحول محورية، تنذر ببداية صِدام مباشر بين قوتين ظلتا على مدى عقود تخوضان حروباً بالوكالة وعمليات استخباراتية محدودة النطاق.
بادرت إسرائيل بشن غارات نوعية دقيقة استهدفت العمق الإيراني، وبلغت منشآت استراتيجية ومواقع حيوية، مما يعكس نزعة توسعية وعدوانية راسخة في الفكر الأمني الإسرائيلي، الذي لا يولي أي احترام لسيادة الدول الأخرى أو يلتزم بقواعد القانون الدولي المتعارف عليها. وتحت ستار الدفاع عن النفس، تمنح إسرائيل نفسها الحق المطلق في التدخل العسكري السافر في أراضي الغير، ضاربة بعرض الحائط كافة المواثيق والأعراف الدولية.
أما الرد الإيراني الذي تلا ذلك، فقد اتسم بالتدرج في أهدافه، بدءاً باستهداف مواقع عسكرية محددة، ووصولاً إلى محاولة زعزعة الاقتصاد الإسرائيلي، قبل أن يُطرح احتمال استهداف البنية التحتية الإعلامية الإسرائيلية رداً على تدمير مقر التلفزيون الإيراني. ويحمل هذا الرد في طياته ملامح استراتيجية واضحة، تقوم على مبدأ المعاملة بالمثل، مع الحرص على تجنب الانزلاق نحو تصعيد شامل قد يفتح الباب أمام تدخل قوى خارجية.
لكن ما يثير القلق البالغ ليس الرد الإيراني بحد ذاته، بل التصعيد الإسرائيلي المتواصل، الذي لا يترك مجالاً للدبلوماسية، ويكرس منطق القوة الغاشمة باعتباره الوسيلة الوحيدة المتاحة للتعامل مع دول المنطقة. فإسرائيل لا تسعى فقط إلى تقويض البرنامج النووي الإيراني، بل تتعامل مع الوجود الإيراني برمته كتهديد استراتيجي يجب استئصاله، مما يجعل سلوكها أقرب إلى سياسة عدوانية دائمة، بدلاً من مجرد إجراءات وقائية كما تدعي زوراً.
وفي سعيها الجامح لتحقيق هذا الهدف، تضرب إسرائيل في كل الاتجاهات، وتفتح جبهات متعددة، وتدفع المنطقة إلى المزيد من الأزمات المتلاحقة التي لا تنتهي. لم تكن إسرائيل يوماً قوة توازن في المنطقة، بل كانت ولا تزال مصدراً دائماً للتوتر وعدم الاستقرار، بسياساتها التوسعية المتهورة ورفضها القاطع لأي شكل من أشكال التسوية العادلة، وسلوكها العنيف في فلسطين ولبنان وسوريا ما هو إلا دليل قاطع على رفضها للسلام واستخفافها بحقوق الشعوب.
وما نشهده اليوم يؤكد أن إسرائيل لم تعد تكتفي بسياسة الاحتواء التي انتهجتها في مواجهة إيران، بل أصبحت تمارس العدوان بشكل سافر ومباشر، في محاولة يائسة لرسم خرائط جديدة تخدم مصالحها الأمنية على حساب استقرار المنطقة بأسرها. وإذا كان البعض يرى أن ما يحدث هو صراع بين مشروعين، فإن المشروع الإسرائيلي هو الأخطر والأكثر تدميراً، لأنه يستند إلى دعم غربي غير مشروط، ويتمتع بحرية الحركة والعمل دون أي رادع أو محاسبة.
وما لم يتم لجم هذه السياسات الإسرائيلية المنفلتة، فإن المنطقة بأسرها ستنزلق إلى فوضى عارمة وموجات جديدة من العنف والانفجار، فإسرائيل لا تكتفي بالدفاع عن نفسها، بل تبادر إلى الهجوم وتدفع الجميع نحو خيارات صفرية، حيث لا مكان للحلول الوسط، بل فقط للمواجهات المفتوحة التي لا نهاية لها. الوضع بالغ الخطورة وينذر بعواقب وخيمة، والتصعيد المتبادل ينذر باندلاع حرب إقليمية واسعة النطاق قد تخرج معها الأمور عن السيطرة في أي لحظة.